الحيوان شريك الإنسان في هذا الوجود، وقد سخّره الله لخدمة البشرية في مجالات مختلفة منها: الغذاء، النسيج، الجلود، التنقّل، الحراسة.. بالإضافة إلى احتلال الحيوان لمكانة مرموقة في الأدب والثقافة الشعبية، ومن أشهر الكتب في هذا السياق "كليلة ودمنة"، وما لا يُحصى من كُتب الأطفال على ألسنة الحيوانات، فقد كان الحيوان وسيلةً للأدب الرمزي والتربوي والتعليمي عبر مختلف العصور..
من أشهر الحيوانات التي احتلت مكانة متميزة في الأدب، نذكر "الحمار" المفكّر والفيلسوف والصديق المرافق، وبطل أول رواية وصلتنا في "الحمار الذهبي".. و"حمار الحكيم" وغيرها من الكتب التي استلهمت من حياة الحيوان، وكم استمتعنا في طفولتنا ولا نزلنا نستمتع بقراءة القصص عن الحيوانات أو على لسانها.
وقد بدأت علاقة الإنسان بالحيوان منذ وطئ آدم الأرض، فـ "غُراب قابيل" علَّمه كيف يوارى سوءة أخيه، وفي القرآن الكريم حوار بين إبراهيم وبين ربه سبحانه: "قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا" (البقرة، الآية: 260)، وكبش إسماعيل أنقذه من الموت المحقق، وحوت يونس التقمه ثم أخرجه حيًّا، وبقرة بنى إسرائيل كانت معجزة بين أيديهم، وحمار العزير، وكلب أهل الكهف يؤكّدان قدرة الخالق العظيم على إحياء الموتى، وعنكبوت الغار واليمامة التي حفظتْ محمدًا من بأس أعدائه، وقبل ذلك بأزمان طويلة، وشى هدهد سليمان بالملكة بلقيس، وحمل نوح في السفينة البشرَ والحيوان زوجين زوجين.
كما أنَّ كثيرًا من مفكري العرب وعلمائهم قد اهتموا بالحيوان، فوضعوا له مؤلَّفات نادرة أشهرها كُتب الجاحظ والدميرى والقزوينى وغيرهم، ومن ثَم وجد الإنسان ضرورات التطور والوجدان الإنسانى فكتب حكايات على لسان الحيوان، وكأنه يُنطِقه كما ينطق البشر، ويجعل له مكانة اجتماعية وثقافية وفنية تناظر مكانة البشر.
وأشهر الكتب التى تناولت الحكاية على لسان الحيوان هي: كليلة ودمنة، خرافات لقمان، حكايات إيسوب. وإنْ كانت الحكاية على لسان الحيوان عرفتها الحضارات القديمة جدًّا مثل الحضارة المصرية في "حكاية السبع والفأر" التي وجدت على أوراق البردي التى تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد فى حين تعود حكايات "إيسوب" اليونانية إلى القرن السادس قبل الميلاد، ويرى بعض المؤرخين أنَّ الهند قد كتبت أيضًا حكايات الحيوان في "حكايات تناسخ بوذا". وفي العصور الحديثة كتب "لافونتين" الفرنسي (1620 ـ 1696) حكاياته التي استمدّها من كليلة ودمنة وإيسوب ولقمان، ثم كتب "محمد عثمان جلال" ديوان "العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ" الذي اشتمل على مئتي قصة شعرية أغلبها على ألسنة الحيوان.
وقام "أحمد شوقي" بكتابة: الحكايات (1892 ـ 1893) أثناء وجوده فى فرنسا متأثرًا بخرافات "لافونتين"، ثم جاء "عبد الله قريج" عام 1893 ونظم ديوان: "نظم الديوان فى أمثال لقمان" في خمسين مثلًا فى صورة أراجيز على ألسنة الحيوان والإنسان والنبات، و"محمد الهراوي" (1885 ـ 1939) يكتب فى أعماله الشعرية بعض الحكايات عن الحيوان فى بحور شعرية راقصة.
ويلعب الحيوان دورًا كبيرًا في الحكايات الشعبية، ويظهر ذلك أكثر فى الأساطير وخاصة أساطير الشعوب البدائية؛ حيث يتغلب "البطل الثقافي" في الغالب صورة حيوانية، ولو أنه يمكن تصوره كإنسان في سلوكه وتفكيره.
ولما كان الإنسان البدائي فى العادة يعيش بالقرب من الحيوانات الوحشية منها والأليفة، كان من الطبيعى بالنسبة له أنْ يبتدع قصصًا تصوّر مغامرات خيالية للحيوانات، ويجعلها تتصرّف وتتحدّث، تدفعها بواعث وعواطف مماثلة لما لدى الإنسان. ونجد هذه الصلة القديمة بالحيوان في مظاهر شتى، منها تقديس الحيوان الذى بلغ حدّ تأليهه، فقد اعتقد الإنسان البدائي أن للحيوان روحًا، وتبقى بعد موته، وأنها تستطيع أن تنجو من الموت الذي يلحق جسومها سواء بالتجول كأرواح مجردة، أو بالميلاد مرة أخرى في صورة حيوانية، كما أن بعض الشعوب البدائية اعتقدت أنَّ أرواح الأسلاف تحل فى أجسام الحيوان فعبدوه لهذا السبب. ومثلت آلهة النباتات القديمة مثل: "أدونيس، أنيس، ديمتر، أوزوريس" على أشكال حيوانات.
والعلاقة بين عالم الإنسان والحيوان حميمة أوحت بها الحكايات القديمة، وفي بعض من قصص الخوارق يرتبط مولد البطل بمولد حيوان أو أكثر، ثم تتشابك مغامراتهما ومصيرهما معًا، مثال ذلك ما جاء فى بعض الملاحم الأيرلندية عن "كيخلن" البطل الأيرلندى وحصانيه. وحكايات الحيوان في العادة يُقصد بها إظهار براعة حيوان ما وغباء حيوان آخر، ويكمن التشويق فيها عادة من السخرية الناشئة عن الحيل أو المآزق التى يقع فيها الحيوان بسبب غبائه.
وفي الأساطير الفرعونية نجد قصة الأخوين التي تحذّر فيها أبقارُ القطيعِ صاحبَها الراعى "بيتو" من غدر أخيه الذي قرر أن يقتله عند عودته إلى المنزل لوشاية كاذبة خبيثة دسّتها زوجة أخيه ضده، وفي القصة نفسه يتخذ "بيتو" صورة العجل "أبيس" لينتقم، وتروي الأسطورة مشهدًا بين "بيتو" وهو في صورة العجل وبين زوجة أخيه يحدِّثها فيه عن رغبته في الانتقام لنفسه، وتتكرر هذه الظاهرة كثيرًا في الأدب المصرى القديم؛ إذ يحذر الحيوان الإنسان من خطر يدهمه كما يفعل التمساح مع الأمير فى قصة "التمساح والأمير".
أما "ألف ليلة وليلة" فكان للحيوان فيها نصيب كبير، وأول ما يصادفنا ما جاء في المقدمة التي قالها الوزير لابنته شهرازاد وهو يثنيها ع الاندفاع والتطوع ضحية للملك شهريار لتنقذ بنات جنسها من شرّه.
قال أبوها: أخشى عليك يا ابنتي أنْ يحصل لك ما حصل للحمار والثور مع صاحب الزرع. ويقصّ على ابنته كيف أراد الحمار أنْ ينقذ الثور من شقائه في الحرث، وقصص أخرى مثل الطاووس والطاووسة، والبطة والطيور، والقرد والنجار الذي أراد أنْ ينقذ صاحبه فقتله لأنه لم يفهم ما أراد، حينما يروي رؤيا فيفسرها المنجّمون ويقصّون قصة الفأر مع السّنور. كما نجد أيضا قصص الحيوان فى قصة "حاسب كريم" الدين حيث يلعب الحيوان دوره الذي لعبه في الأساطير والديانات القديمة، فيصبح وسيلة لتفسير كثير من غوامض الآخرة وأسرار الدنيا، فهذه حيّة فى جوفها جهنم، وهذا حوت يحمل الأرضين السبع، وهذان أسد وثور يحرسان مجمع البحرين وهكذا.
أما عالم الطيور والحيوان لدى سليمان فهو ماثل في كثير من صفحات "ألف ليلة وليلة"، وللحيوان في هذا الكتاب أدوار مختلفة في علاقاته بالإنسان، أحيانا تكون إيجابية وأخرى عدوانية.
وقد قام علماء النفس في قسم سلوك الحيوان بالمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعى بتسجيل صوت تمساح على أسطوانة، ثم حملوا الأسطوانة قريبًا من بركة ينام فيها تمساح آخر، وعند إعادة التسجيل استُثير التمساح ساكن البركة، وأخذ يضرب الماء متحفزًا للقتال وعلا خواره كأنما يحذّر بأنه السيد الوحيد في هذه البقعة، ولقد قضى كثير من العلماء - خاصة الألمان - سنوات طوال يبحثون فى متحف الحيوانات بحثًا عن أدلة تدل على وجود لغة للحيوان، واستطاع أحدهم أن يسجّل سبع كلمات للدّيكة، وتمكن آخر من تمييز ستّ كلمات للخيل وثلاثة أنواع من الصهيل، كما قام ثالث بتسجيل خمس عشرة كلمة اعتبرها من لغة القطط الأليفة. والفرق الشاسع بين الإنسان والحيوان يتركز أساسًا حول قدرة الإنسان على استخدام لغة التفاهم. ونحن نتكلم بالرموز، فكل كلمة ننطقها تعبّر عن أشياء أو أفعال أو أحداث أو ما إلى ذلك، ورموز الكلمات هذه هي المواد الخام التى نستخدمها لبناء أفكارنا. ونحن نعلم أنه لا يوجد حيوان له لغة مطبوعة بالحروف الهجائية ذات قواميس أو قواعد لغوية غير الإنسان، ولكن علينا أن ندرك أن الفارق بين الإنسان والحيوان في اللغة ليس شاسعًا جدًّا كما كنا نعتقد، وأنَّ لغة إنسان الغاب تعتبر أقرب لغات الحيوان إلى لغة الإنسان.
ولحكايات الحيوان المتداولة في التراث الشعبي كثرة من النوادر التي تدور حول أبطال هذه الحكايات الحيوانية. هذا التنوع لا يعود فقط إلى الاهتمام بطبيعة الحيوانات وصفاتها، لكنه يجيء أيضًا من العادة المتأصلة في تأليف قصص الحيوان عند رُواة القصص في جميع الأقطار، وعلى هذا فإنَّ قصص الحيوان لا ترجع في أصلها إلى الاختراع المتصل بما تثيره حياة الحيوان فقط، لكنها ترجع إلى ذلك النشاط الفني الذي تمتد أطرافه من رواة الحكاية البارعين في الشعوب البدائية إلى مؤلفي الخرافات الهندية والكلاسيكية، والمؤلفين المثقفين لخرافات العصور الوسطى. فحقيقة حديث الحيوان والطير حقيقة علمية لا شك فيها استعملها أصحاب الأسطورة والأدب الشعبي في ثنايا عملهم دون أنْ يخالفوا كثيرًا الحقائق التي قررها العلم.
وقد خصّص "شوقي عبد الحكيم" الفصل السادس من كتابه "الحكايات الشعبية العربية" عن حكايات الحيوان الطوطمية العربية وقال: "وفي حالة تعرُّضنا لحكايات الحيوان والطيور، التي يرى البعض أنها أكثر قِدَمًا من الأساطير، وأنها ترجع إلى مراحل التوحّش والبربرية والطوطميّة، فهي حكايات أقرب إلى التعليمية أو الشرح والتفسير، كما أنها حكايات ملخصةٌ، غاية في الدقة من حيث التصميم والتلخيص، ولها مغزاها وحكمتها ودقة ملاحظتها بالنسبة للطبيعة وغموضها، وكذلك بالنسبة لحكمة الإنسان البدائي وفلسفته، بإزاء قدرات الحيوانات والطيور والزواحف والهوام والنباتات التي حُرِمَ منها الإنسان بعجزه على الطيران، والغوص في الماء، وقوى الحيوانات الوحشية والبهيمية وهكذا.
وقصص الحيوان الشارحة هي تلك القصص التي فسَّر بمقتضاها الأقدمون الفَرْقَ بين حيوانٍ وآخَر، بين طبيعة ولون وخصائص الذئب عن الحَمل، ولون الحمامة الأبيض المخالِف لِلَوْن الغراب الأسود، وكذلك التفسيرات الغيبية التي فسَّر بها البدائيون السببَ أو السرَّ في بريق عيون القطط في الظلام، واستطالة أُذُنَي الأرنب والحمار، واختفاء الخفافيش عن العيون نهارًا هربًا من الدائنين، وغوص الطائر البحري إلى أعماق الماء بحثًا عن الأشياء الغارقة من حطام سفن وغيرها.
ذلك أن للعرب الساميين باعًا ملحوظًا في أنهم موطن ومصدر هذه الحكايات الحيوانية الطوطمية قبل الهنود الآريين والإغريق الهلينيين.
فالعبد الإغريقي، الذي يُعَدُّ أهمَّ وأقدمَ مصدرٍ لهذه الحكايات الحيوانية (إيسوب)، الذي يرى البعض - ومنهم كراب - أنه كان رقيقًا ساميًّا يشتغل بالكتابة، وجمع هذه المأثورات في إيونيا، ومن هنا وصلت هذه الحكايات من الشرق السامي، وأنها ارتحلت أيضًا من الشرق السامي إلى الهند مع ما ارتحَلَ إليها من ثقافة العراق وما بين النهرين.
وتحفل قصص الخلق الأولى والطوفان البابلي والعبري بمثل هذه الحكايات، منها حكاية أشجار "يوثام" التي أولاها "فريزر" اهتمامًا خاصًّا.
كما تحفل الآداب الجاهلية والإسلامية بالآلاف المؤلَّفة من هذه الحكايات عند الجاحظ والدميري وغيرهما.
ثم لماذا نذهب بعيدًا والمصدر الأكثر قِدَمًا من "إيسوب" ذاته، وهو "الحكيم لقمان"، الذي أوضحَتْ حفائرُه أصولَه البابلية؛ وبالتالي فهو أسبق من "إيسوب" بأكثر من خمسة عشر قرنًا.
وأورد مجموعة مختصرة من هذه الحكايات النمطية الطوطمية لهذه الشخصية الخرافية السامية للحكيم لقمان، جمعها المستشرق "ج. ديرينبورج"، ونُشِرَت بالفرنسية والعربية عام 1850م، منها:
1ـ أسد وإنسان اختلفا حول القوة والبأس، ورأيَا على جدارٍ رسمًا لإنسان يقتل أسدًا، فقال الأسد: لو أنَّ السّباع مُصوّرون لَمَا قتل الأسد بني آدم، بل لَقدر للأسد قَتْل بني آدم.
2ـ أسد وثوران اجتمعا عليه ينطحانه بقرونهما لكي لا يُدْخِلاه بينهما، فانفرد بأحدهما وخدعه ووعده بألا يعارضهما إنْ تخلَّى عن صاحبه، فلما افترقا افترسهما جميعًا.(ومعناه: إذا افترقَتْ مدينتان تمكَّنَ العدو منهما وأهلكهما معًا)
3ـ مرض غزال وجاء أصحابه من الوحوش يزورونه، يأكلون العشب والحشيش، ولما أفاق من مرضه والتمَسَ شيئًا ليأكله لم يجد، فهلك جوعًا. (ومعناه: مَنْ كَثُرَ أهله وإخوانه، كَثُرَتْ أحزانه)
4ـ أسد اشتدّ عليه الحرّ فدخل في بعض المغائر يتظلل، أتاه جرذ ومشى فوق ظهره، فنظر الأسد وضحك منه، قال الأسد: ليس من الجرذ خوفي، وإنما كَبُر عليَّ احتقاره لي. (ومعناه: الهوان على العاقل أشد من الموت)
5ـ أسد شاخ وضعف وتمارض ورقد في المغاور، وكلما أتاه حيوان افترَسَه، ولما جاءه الثعلب يسلِّم عليه فقال له: لِمَ لا تدخل يا أبا الحصين؟ أجاب: لأني رأيتُ آثارَ أقدامٍ كثيرة دخلَتْ ولم تخرج.
6ـ غزال هرب من الناس، فجاءه الأسد وافترسه داخل المغارة قائلًا: وقعتَ في يد مَنْ هو أشد منهم. (ومعناه: مَنْ يفرّ من خوفٍ يسيرٍ، يقع في بلاء عظيم)
7ـ امرأة عندها فرخة تبيض لها بيضة فضة كلَّ يوم، أكثرَتْ علفها فانشقَّتْ حوصلتُها.
8ـ وقفت بعوضة على قرن ثور، وحين قالت له: أثقلتُ عليكَ؟ أجابها الثور: لا يهمُّ فنزولك مثل رحيلك.
9ـ قال البستاني: البقل البري يَهَب منظرًا جميلًا؛ لأنه تربية أمّه، أما المخدوم فهو تربية امرأة أبيه.
10ـ إنسان يعبد صنمًا ويذبح له كلَّ يوم ذبيحة، إلى أن أتى على جميع ما يملك، فقال له الصنم: "لا تنفق مالك عليَّ، ثم تلومني آخِر الأمر".
11ـ إنسانٌ رأى آخَر أسود اللون يستحمُّ في الماء، فقال له: لا تعكِّر الماء، فإنك لا تستطيع أنْ تصبح أبيض، ولن تقدر عليه أبد الدهر.
12ـ راعٍ حمل على بهائمه كبشًا وعنزًا وخنزيرًا، ثم استوقفه اضطراب وخوف الخنزير، فقال له: يا أشرّ الوحوش لماذا أنت وحدك الخائف؟ فأجاب الخنزير: لأنك سترحم كبشك لصوفه، وعنزك لِلَبَنه، أما أنا فلا صوف لي ولا لبن، وسأُذْبَح فورًا.
13ـ تسابق الأرنب والسلحفاة إلى أنْ تعب الأرنب فنام، فسبقت السلحفاة البطيئة.
14ـ رجل أسود يغتسل بالثلج ليصبح أبيض، فبادَرَه آخَر: لا تُتْعِب نفسك.
15ـ اصطاد كلب أرنبًا ومضى يعضّه بقوة ليلحس دمعه، فبادره الأرنب: تعضّني كأنك عدوِّي، وتقبِّلني كأنك صديقي.
16ـ إنسان رأى حيَّتَيْن تقتتلان وجاءت ثالثة لتُصْلِح بينهما، فقال: لولا أنك أشرّ منهما ما تدخَّلتِ بينهما.
17ـ لاحَظَ حدَّاد أنَّ أصوات المطارق لا تُوقِظ كلبَه من نومه، أما صوت المضغ فيُوقِظه على الفور.
ولعلني أكتفي بهذه المجموعة من المأثورات والحكايات الحيوانية التي تُنْسَب إلى لقمان الحكيم، الذي يرجعه البعض إلى أنه هو بذاته "أحيقار السيرياني" أو "هيكار" البابلي (- 4 آلاف عام).
ففي مثل هذه الحكايات يبرز ذكاء العاجز بإزاء خصمه القوي، فالفأر عادةً ما يحقِّق انتصاره على الأسد، والعصفور واسع الحيلة - أو الزعرور في الحكايات السورية - ينتصر في النهاية على الضبع، وعنزة العنزوية التي تأتي لأولادها الثلاثة بالحشائش مغنية، وعندما يتنكر الضبع ويقلِّدها مختطفًا أولادها تستردُّهم في النهاية بمبارزةِ الضبع بقرونها الذهبية، كما أن العصفور أو الحجل ينجح في الإفلات من الثعلب المكَّار ليطير محلقًا من بين مخالبه.
وتغيّرت معالم الكتاب الهندي واختفت تمامًا مصادره البوذية إلى أنْ أُعِيد اكتشافه في القرن التاسع عشر، باكتشاف أنَّ الأمير "يوسف" لم يكن سوى "البوذا" ذاته.
وفي العصور الوسطى استُخدِمت قصصُ هذا الكتاب الاستطرادية في كافة أغراض الخلق الأدبي في كتب القصص والأشعار والمسرح.
وقد وصلت كليلة ودمنة أوروبا في القرن الحادي عشر الميلادي، وقُبَيْل بداية القرن السادس عشر تُرْجِمت إلى اليونانية واللاتينية والإسبانية والإيطالية والألمانية والإنجليزية والسلافية القديمة والتشيكية، وأصبحت "كليلة ودمنة" في كل أوروبا أول كتاب شرقي يحظى باستقبال شعبي كبير.
وقد كتب الدكتور "محمد رجب النجار" بحثًا بعنوان "حكايات الحيوان في التراث العربي". نشره في مجلة "عالم الفكر" في العددين 1ـ 2 يوليو/ جويلية 1995م. ويمكن الرجوع إليه.
كما كتبت "منى محمد مصطفى" كتاب "قصص الحيوان في تراث الآداب الإسلامية العربية والفارسية والأردية" عن مركز تحقيق التراث بدار الكتب والوثائق القومية، وهدف البحث إلى الكشف عن قصص الحيوان في تراث الآداب الإسلامية العربية والفارسية والأردية. وأوضح البحث أن الأقاصيص والحكايات بدأت من الشرق؛ لأن حكامهم كانوا ظلمة، وكانت القصص على ألسنة الحيوانات هي وسيلتهم الوحيدة ليوصلوا بها استغاثاتهم لدى الملوك والحكام. تم تطرق البحث إلى قصص الحيوانات في الأدب العربي. كما أوضح البحث أنه يمكن تقسيم القصص التي كانت تُروى في العصر الجاهلي إلى قسمين حكايات القسم الأول تعتبر من أصل عربي، أما حكايات القسم الثاني فقد اقتبسها العرب من أقوام آخرين. كما تطرّق إلى ذكر الناقة مرارًا في الأحاديث النبوية الشريفة. واستعرض البحث ما كتبه "محمد حسين سليم" فيما يتعلق بالفابلات "قصص الحيوان". وأشار البحث إلى أنه يوجد في الأدب العربي عدة قصائد لأبي العلاء المعري في ذكر الحيوانات. وأظهر البحث أن أسلوب كتابة القصة في إيران يُعتبر قديما جدا. وركّز البحث على ما كتبه "الجنيدي" عن بداية كتابة الأقاصيص. كما ركّز على ما كتبه: غلام رسول مكران، حكيم مطليع الرحمن وعظيم الحق الجنيدي. وعرض البحث قصص الحيوان التي وردت في " الجلستان" وهو من أفضل كتب النثر الفارسية. وسلّط البحث الضوء على ذكر سبط حسن قصة جذابة لـ "صادق شوبك". كما تطرق البحث إلى أدب الهند من حيث ما كتبه العالم الهندي الجليل الدكتور "كيان جاند". واختتم البحث بتسليط الضوء على رأي العالم الألماني "هرتل" الذي يرى أن استعمال قصص الحيوان لتعليم السياسات هو أسلوب الهند، لذلك يتعين القول إن الهند مصدر الحكايات السياسية.
وقد اهتم علماء اللغة بالحيوانات وبخاصة الخيل والإبل وذكروا صفاتها وخصائصها كما فعل "الثعالبي" في "فقه اللغة وسر العربية" (ص 200 ـ 204)
كما ورد ذكر العديد من الحيوانات في القرآن الكريم، في سياقات مختلفة، سواء من خلال قصص الأنبياء، أو الإشارة إلى مخلوقات الله في الكون، أو ضرب الأمثال. عدد الحيوانات المذكورة يبلغ حوالي 27 حيوانًا، منها ما ورد ذكره لبيان قدرة الله تعالى، ومنها ما ورد في سياق قصص الأنبياء، ومنها ما ورد في سياق ضرب الأمثال.
الحيوانات المذكورة في القرآن
الثدييات: البقرة، الإبل، الجمل، الناقة، الخيل، البغل، الحمار، القرد، الخنزير، الأسد، الكلب، الذئب، الضأن، الماعز، الفيل.
الطيور: الهدهد، الغراب، النحل، طائر السلوى.
الزواحف: الثعبان، الحية.
الحشرات: الذباب، البعوض، العنكبوت، الجراد، النمل، القمل.
الأسماك: الحوت.
البرمائيات: الضفدع.
حيوانات أخرى: دابة الأرض، دابة آخر الزمان.
أمثلة على ورود الحيوانات في القرآن
سورة البقرة: سُمّيت السورة باسم البقرة، حيث ورد ذكرها في سياق قصة ذبح البقرة التي أمر الله بها بني إسرائيل.
سورة الفيل: سميت السورة باسم الفيل، حيث وردت قصة أصحاب الفيل الذين أرادوا هدم الكعبة، فأهلكهم الله بطيور الأبابيل.
سورة النحل: ورد ذكر الإبل في هذه السورة، وأهميتها للإنسان.
سورة العنكبوت: ورد ذكر الحيوان بمعنى الحياة الأبدية في الآخرة.
قصة الحوت: ورد ذكر الحوت في سورة الكهف في قصة سيدنا موسى مع الخضر.
قصة الهدهد: ورد ذكر الهدهد في قصة سيدنا سليمان عليه السلام.
أهمية ذكر الحيوانات في القرآن
إظهار قدرة الله تعالى: من خلال ذكر خلقها وتدبير أمورها.
الاعتبار والعبرة: من خلال قصص الأنبياء مع الحيوانات.
بيان أهمية الحيوانات للإنسان: من خلال منافعها واستخداماتها.
دعوة للتفكر في خلق الله: من خلال النظر إلى الحيوانات وأهميتها.
أحاديث نبوية شريفة عن الرفق بالحيوان
جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثّرى من شدة العطش قال: لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى الكلب ! فشكر الله له، فغفر له. قالوا يا رسول الله! وإنَّ لنا في البهائم أجرا؟ قال: "في كل كبد رطبة أجر".
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به". ومعنى الركية: البئر.
وروى البخاري وغيره عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ".
وروى أحمد وأبو داود عن عبد الله بن جعفر (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي (صلى الله عليه وسلم) حن وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فمسح ذفراه فسكت فقال: "من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟"، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: "أفلا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه". ومعنى ذفراه: مؤخرة رأسه، ومعنى تدئبه: تتعبه.
وروى أبو داود وأحمد وابن حبان وابن خزيمة عن سهل بن الحنظلية، قال مرّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) ببعير قد لصق ظهره ببطنه، فقال: "اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة".
وقد بين النبي (صلى الله عليه وسلم) ضوابط مُشدّدة لقتل الحيوان:
ففي الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث شداد بن أوس قال خصلتان سمعتهما من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنَّ الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته.
وروى أحمد وابن ماجة من حديث ابن عمر، قال: أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بحدّ الشفار وأنْ تُوارى البهائم، وقال: إذا ذبح أحدكم فليجهز.
وروى النسائي والحاكم عن ابن عمر ( رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا يسأله الله عنها يوم القيامة. قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: "حقها أنْ تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فترمي به".
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "قرصت نملة نبياً من الأنبياء فأمر بقرية من النمل فأحرقت فأوحى الله إليه: أنْ قرصتك نملة أحرقتَ أمة تسبح الله؟"، وفي رواية أخرى للحديث: "فهلا نملة واحدة".
رحمة النبي الكريم بالحيوان
ينطلق الهدي النبوي للرحمة بالحيوان في توازن يجمع بين منفعة الإنسان، وبين الرحمة والرفق، فيأمر برحمة الحيوان وعدم القسوة معه، ولا يتجاهل احتياجات الإنسان الغذائية والمعيشية التي تتطلب الانتفاع به.. ومن ثم فلا يسمح بالعبث بالحيوانات أو إيذائها أو تكليفها ما يشق عليها، ولا يوافق على قول بعض جماعات الرفق بالحيوان المعاصرة التي تدعو إلى منع قتل الحيوانات بالكلية، تذرعاً بالرفق معها وحماية حقوقها..
ومن الرحمة بالحيوان والطير في هدي النبي الكريم أنه لا يجوز تعذيبها ولا تجويعها، أو تكليفها ما لا تطيق، ولا اتخاذها هدفا يرمى إليه، بل وتحريم لعنها، وهو أمر لم ترق إليه البشرية في أي وقت من الأوقات، ولا حتى في عصرنا الحاضر، الذي كثرت فيه الكتابات عن الرفق بالحيوان..
وقد شدّد النبي الكريم المؤاخذة على من تقسو قلوبهم على الحيوان ويستهينون بآلامه، وبيّن أن الإنسان على عِظم قدره وتكريمه على كثير من الخلق، فإنه يدخل النار في إساءة يرتكبها مع الحيوان، فقد دخلت النار امرأة في هِرَّة، حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها.. وفي المقابل دخلت الجنة امرأة بغي في كلب سقته، فشكر الله تعالى لها فغفر لها ..
وإنَّ استقراء صور الرحمة بالحيوان في سيرته عليه الصلاة والسلام أمر يطول، فقد تعددتْ مظاهر هذه الرحمة وصورها، ومن ذلك:
نهيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن اتخاذ شيء فيه الروح غرضا يُتعلّم فيه الرمي.. فعن سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ قال: "مَرَّ عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟، لعن الله من فعل هذا، إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا" (رواه مسلم).
وعن ابن عمر (رضي الله عنهما): "أنه دخل على يحيى بن سعيد وغلام من بني يحيى رابط دجاجة يرميها ، فمشى إليها ابن عمر حتى حلها، ثم أقبل بها وبالغلام معه، فقال: ازجروا غلامكم عنْ أنْ يصبر هذا الطير للقتل، فإني سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أنْ تصبر بهيمة أو غيرها للقتل" (البخاري). والتصبير: أنْ يحبس ويرمى.
ومن رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه نهى أنْ يحول أحد بين حيوان أو طير وبين ولده، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمرَة (طائر صغير) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تُعَرِّشُ (ترفرف بجناحيها)، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "من فجع هذه بولدها؟، ردوا ولدها إليها" (أبو داود).
ومن صور رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحيوان نهيه عن المُثْلة بالحيوان، وهو قطع قطعة من أطرافه وهو حي، ولعَن من فعل ذلك، فعن ابن عمر (رضي الله عنهما): "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن من مَثَّل بالحيوان" (البخاري).
وعن جابر (رضي الله عنه): (أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مر عليه حمار قد وُسِمَ (كوي) في وجهه، فقال: لعن الله الذي وسمه" (مسلم).
وأمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمعاملة الحيوان بالرفق، فقد استصعب جمل على أصحابه، فأعاده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حاله الأولى بالرفق واللين.
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان أهل بيت من الأنصار لهم جمل يسنون (يسقون عليه)، وإنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره، وإن الأنصار جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنه كان لنا جمل نسني عليه وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره وقد عطش الزرع والنخل، فقال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: قوموا، فقاموا، فدخل الحائط (البستان)، والجمل في ناحيته، فمشى النبي - صلى الله عليه وسلم ـ نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله، قد صار مثل الكلب، نخاف عليك صولته، قال: ليس عليَّ منه بأس، فلما نظر الجمل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بناصيته أذل ما كانت قط حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه: يا رسول الله هذا بهيمة لا يعقل يسجد لك، ونحن نعقل، فنحن أحقّ أن نسجد لك؟ قال: لا يصلح لبشر أنْ يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أنْ يسجد لبشر لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها" (أحمد).
وعن معاوية بن قرة عن أبيه - رضي الله عنه - أنَّ رجلا قال: "يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها، فقال: والشاة إنْ رحمتها رحمك الله" (أحمد).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): "أتريد أن تميتها موتات، هلا أحددت شفرتك قبل أنْ تضجعها" (الحاكم).. وعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "من رحم ولو ذبيحة عصفور، رحمه الله يوم القيامة" (الطبراني)..
ومن عجيب صور الرحمة بالحيوان في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو تحريم لعنه إياه، فعن أبي برزة (رضي الله عنه) قال: كانت راحلة أو ناقة أو بعير عليها بعض متاع القوم وعليها جارية، فأخذوا بين جبلين فتضايق بهم الطريق، فأبصرت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقالت: حَلْ، حَلْ، اللهم العنها.. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "من صاحب هذه الجارية؟، لا تصحبنا راحلة أو ناقة أو بعير عليها من لعنة الله تبارك وتعالى" (أحمد).
تكريم الحيوانات في الإسلام
وازن الإسلام علاقتنا بالحيوانات بين منفعتنا بها وبين الرحمة والرفق بها، ولا أدلّ على هذا من أن عدَّة سور في القرآن الكريم تحملُ أسماء من أسماء الحيوان مثل: البقرة، والأنعام، والنحل، وغيرها.
ونصَّ القرآن الكريم على تكريم الحيوانات، وبيان منافعها ومكانتها في الأرض جنباً إلى جنب مع الإنسان، فيقول الله تعالى في "سورة النحل": {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
كليلة ودمنة
هو كتاب من أصول هندية يحتوي على مجموعة من القصص الرمزية والحكايات التي تُروى على ألسنة الحيوانات، ويهدف إلى تقديم الحكم والنصائح الأخلاقية والسياسية. يُعتبر هذا الكتاب من أهم الأعمال الأدبية في التراث العالمي، وقد تمّت ترجمته إلى عدة لغات على مر العصور.
أصل الكتاب وتاريخه: أصل كتاب "كليلة ودمنة" يعود إلى الهند، حيث كُتب باللغة السنسكريتية تحت اسم "بنجا تنترا" (أي: الفصول الخمسة)، وقام بنقله إلى العربية "عبد الله بن المقفع" في القرن الثامن الميلادي. ترجم "ابن المقفع" الكتاب وأضاف إليه قصصاً جديدة، وأعاد صياغته بأسلوب أدبي بليغ ليتناسب مع الجمهور العربي ويعكس أبعاداً فكرية وسياسية أعمق.
شخصيات الكتاب: أهم شخصيتين في الكتاب هما كليلة ودمنة، وهما اثنان من حيوانات الغابة التي تتحاور وتناقش قضايا الحياة، وتروي قصصًا ترويها لبقية الحيوانات. غالبًا ما تكون القصص على شكل حكايات ذات مغزى أخلاقي أو حكمة تهدف إلى تقديم نصائح تتعلق بالحياة والسياسة والحكم.
محتوى الكتاب: يضم الكتاب قصصًا رمزية على ألسنة الحيوانات، تتناول موضوعات متعددة مثل:
1. الحكمة والسياسة: يقدّم الكتاب نصائح للحكام والوزراء حول كيفية إدارة شؤون الدولة، وحول التعامل مع الآخرين بحذر وذكاء.
2. الأخلاق والعلاقات الإنسانية: يحثّ الكتاب على الفضائل مثل الصدق والأمانة والتعاون، ويحذر من الخيانة والطمع والكذب.
3. العلاقات الاجتماعية: تحتوي القصص على دروس في كيفية بناء علاقات اجتماعية جيدة، وتجنب المؤامرات والخدع.
أمثلة من القصص:
• قصة الأسد والثور: تحكي عن الثور الذي ينال ثقة الأسد، لكن دمنة يزرع الفتنة بينهما بدافع الحسد. تسلط القصة الضوء على خطر الفتن والمؤامرات داخل المجتمع، وتأثير الحاسدين على العلاقات.
• قصة الحمامة المطوقة: تتحدث عن مجموعة من الحمام تقع في شباك صياد، فتتعاون معاً لتحرير أنفسها. تحمل القصة رسالة عن أهمية التعاون ووحدة الصف.
أسلوب الكتاب
يتميز "كليلة ودمنة" بأسلوب رمزي ممتع وشيّق، حيث يقدّم النصائح والمواعظ بطريقة غير مباشرة، ويجعل القارئ يستمتع بقراءة القصص دون أن يشعر بأنه يُعطى دروساً أخلاقية مباشرة. يستخدم "ابن المقفع" لغة بليغة وسهلة، مزج فيها الحكمة والفكاهة والبلاغة، مما يجعل الكتاب في متناول الجميع، ويجذب القراء من مختلف الأعمار.
تأثير "كليلة ودمنة"
أثّر "كليلة ودمنة" بشكل كبير في الأدب العربي والشرقي، وأصبح مرجعًا هامًّا للقصص الرمزية والحكايات الأخلاقية. استلهمت منه العديد من الأعمال الأدبية اللاحقة، كما تمت ترجمته إلى العديد من اللغات العالمية، ولا يزال يُدرس في المدارس والجامعات كمصدر للحكمة والعبر الأخلاقية والسياسية.
"كليلة ودمنة" ليس مجرد كتاب حكايات؛ بل هو كنز من الحكم والتجارب الحياتية التي تعبر عن فهم عميق للطبيعة الإنسانية، ويقدم نصائح خالدة تتناسب مع كل العصور.
كتاب الحيوان للجاحظ
هو كتاب أدب عناصره أصناف الحيوان، وما حيك حولها من قصص وعلوم، وما ألّف فيها من عادات وأمراض، وما قيل فيها من حكم وأشعار، فهو يمتلئ بالأخبار والأشعار والحكم والنوادر والمسائل العلمية والفلسفيّة والأدبيّة، ومن أبرز ما يمكن اقتباسه من كتابه ما يلي: قوله يصف كتابه: "وهذا كتاب تستوي فيه رغبة الأمم، وتتشابه فيه العرب والعجم، لأنه وإنْ كان عربيّا أعرابيًّا، وإسلاميًّا جماعيًّا، فقد أخذ من طرف الفلسفة، وجمع بين معرفة السماع وعلم التجربة، وأشرك بين علم الكتاب والسنة، وبين وجدان الحاسّة، وإحساس الغريزة، ويشتهيه الفتيان كما تشتهيه الشيوخ، ويشتهيه الفاتك كما يشتهيه الناسك، ويشتهيه اللاعب ذو اللهو كما يشتهيه المجدّ ذو الحزم، ويشتهيه الغفل كما يشتهيه الأريب، ويشتهيه الغبيّ كما يشتهيه الفطن".
ولا ينبغي أن يأخذنا العجب لوفرة ما في كتاب الحيوان من علم وتجربة وأدب، ذلك لأن "الجاحظ" كان وفير العلم في مختلف نواحيه، ولما كان للحيوان من خيل وإبل وكلاب أهميتها عند العرب، فقد درسوها وفصلوا أجزاءها قولا مُرسلا وشِعرا منظوما، ويمكن أنْ نقول الشيء نفسه عن الوحش في البيئة العربية من ظباء وبقر وأسد وذئاب وثعالب وضِباب وحيّات، فذكرها "الجاحظ" في كتابه وكان يأخذ علمه من أصحاب الخبرة، حتى ولو كانوا من العامة، فكثيرا ما جالس الحواة وحدثهم وناقشهم في شؤون الحيات والثعابين.
وإذا أراد أنْ يتحدث عن الطيور ذهب إلى صائد العصافير وساءله وناقشه، وهكذا نرى ثمار التجربة وحصاد الخبرة واضحا في الكتاب.
والكتاب مليء بأسباب الجدل الذي عُرف به المعتزلة، ولكن الجدل في كتاب الحيوان جدل طريف مريح غير مجهد ولا مكدّ لذهن القارئ.. فهنا يقول صاحب الكلب، وهناك يقول صاحب الديك، وفي مكان ثالث صاحب الحمام، ومن الطريف فعلا أن تجري مساجلات كلامية بين أصحاب الكلب وعلى رأسهم النظام وأصحاب الديك وعلى رأسهم معبد.
والكتاب موسوعة علمية وأدبية وهو أكبر كتب "الجاحظ" وألّفه في آخر حياته، ولم يهمل الفكاهة للترويح على القارئ، ويقول: "والحيوان على أربعة أقسام: شيء يمشي وشيء يطير وشيء يسبح وشيء ينساح، إلا أن كل طائر يمشي وليس الذي يمشي ولا يطير يسمى طائرا، والنوع الذي يمشي على أربعة أقسام: ناس وبهائم وسباع وحشرات، وهكذا يكتب "الجاحظ" موضوعه ورائده المنطق ودليله المعرفة.
وإذا ذكر حيوانا جاء بأكثر ما يمكن أن يجيء به حول هذا الحيوان من معلومات طريفة، ثم ذكر العديد من قصائد الشعر العربي التي قيلت فيه أو بصدد تشبيه به أو غيرذلك.
فإذا ما ذكر الكلب جاء بالأمثال التي تقال في الكلاب قدحا أو مدحا، مثل قول "كعب الحيار" لرجل أراد سفرا: إن لكل رفقة كلبا، فلا تكن كلب أصحابك. أو قول العرب: أحب أهلي إليّ كلبهم الظاعن.
وأحيانا يحمل على الكلب فيتّهمه بالرشوة، فهو الحيوان الوحيد الذي يقبل الرشوة وبإمكان اللص أن يرشوه برغيف ثم يسرق البيت الذي يحرسه، ويصفه بالحماقة لأنه الحيوان الوحيد الذي ينام في وسط الطريق ليلا، فتدوسه حوافر السابلة فتؤلمه فيظل يئنّ ويعوي، ويصفه بعدم الأصالة، فهو يأكل اللحم وليس بوحشي، ويعيش في المنازل كما تعيش المستأنسات.
ويُجري "الجاحظ" على لسان صاحب الديك قوله: يقال للسّفيه إنما هو كلب، وإنما أنت كلب نباح، وما زال ينبح علينا منذ اليوم، وكلب من هذا؟ ويا كلب ابن كلب، وأخسا كلبها.
وقال في المثل: اِحتاج إلى الصوف من جزّ كلبه. وأجِع كلبك يتبعك. وأحب شيء إلى الكلب خانقه، وسمّن كلبك يأكلك، وأجوع من كلبة حومل، وكالكلب يربض في الأري (مربط الدابة ومعلفها) فلا هو يأكل ولا يدع الدابة تعتلف.
ويقول في عادة الاستنباح عند العرب: "الرجل إذا كان باغيًا أو زائرًا، أو ممّن يلتمس القرى، ولم ير بالليل نارًا، عوى ونبح، لتجيبه الكلاب، فيهتدي بذلك إلى موضع الناس".
وما يقال حول الكلب من وأشعار وحكم وأمثال وأحكام شرعية وأخبار وأنواع يمكن أن يتكرر في كتاب الحيوان عن أصناف أخرى من الحيوان.
ومجمل القول أن كتاب الحيوان زاد من الثقافة، ومعين من المعرفة، وينبوع من اللغة، ونهر من الأدب، وفيض من الظرف، وهو ممتع في القراءة، وسخي في العطاء والتنشيط الفكري.
كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدميري
هو أشهر مؤلفات "كمال الدين الدميري". وهي نسختان: صغرى وكبرى، والمطبوعة هي الكبرى، وتمتاز عن الصغرى بإضافة المواد التاريخية وتفسير المنامات التي تقع فيها تلك الحيوانات. وتضم (1069) مادة مرتبة على حروف المعجم، إلا أن هذا الرقم لا يعني عدد الحيوانات التي ترجم لها، إذ أن كثيراً من هذه المواد في حكم المترادف، فهو يترجم لكثير من الحيوانات في مواطن شتى، حسب تعدد أسمائها، أو اختصاص أولادها وإناثها بأسماء أخرى، وتتفاوت هذه التراجم في توضيحاتها، فبعضها يصل إلى (11) صفحة، كالأسد، وبعضها: بضع كلمات. وتحتل الطيور والثدييات منزلة ممتازة في الكتاب. طبع الكتاب لأول مرة في بولاق 1275هـ وهو أحد الكتب التي أمر السلطان "سليم الأول" بترجمتها إلى التركية حين فتح مصر، وقام بترجمته "حكيم شاه محمد القزويني". وترجمه إلى الإنكليزية الكولونيل "جايكار": أحد أساتذة كلية بمباي في الهند، وطبعت ترجمته في لندن (1906 - 1908م)، وترجمه إلى الفرنسية "سلفستر دي ساسي". قال "السخاوي" في (الضوء اللامع): "وهو كتاب نفيس، أجاده وأكثر فوائده، مع كثرة استطراده فيه من شيء إلى شيء، وله فيه زيادات، لا توجد في جميع النسخ، وأتوهم أن فيها ما هو مدخول لغيره، إن لم تكن جميعها، لما فيها من المناكير، وقد جردها بعضهم، بل اختصر الأصل التقي الفاسي سنة 822 هـ ونبّه على أشياء مهمة، يحتاج الأصل إليها". وهوّن من شأنه "حاجي خليفة" فقال: "وهو كتاب مشهورر في هذا الفن، جامع بين الغث والسمين، لأن مصنفه فقيه فاضل، محقق في العلوم الدينية، لكنه ليس من أهل هذا الفن كالجاحظ، وإنما مقصده تصحيح الألفاظ وتفسير الأسماء المبهمة"، ثم ذكر ما له من المختصرات والذيول. ولمعاصره "أحمد بن عماد الأقفهسي" كتاب: "البيان التقريري في تخطئة الكمال الدميري". وتجدر الإشارة إلى عصامية "الدميري"، فقد كان خيّاطًا من أسرة مغمورة، فترك الخياطة إلى طلب العلم، وترقى في مراقيه حتى كان أحد من درسوا في جوف الكعبة. وكان اسمه (كمالاً) بلا إضافة، فتسمّى بـ "محمد"، وصار يكشط اسمه الأول من كتبه. وقد فرغ من تأليف الكتاب في رجب سنة 773هـ ومولده عام (742).
وقد استلهم "جورج أوريول" الحيوان فكتب رواية "مزرعة الحيوان" يروي فيها قصة خيالية لحيوانات تعيش في مزرعة السيد جونز، والذي يوصف بأنّه عديم الرحمة، وشديد القسوة، وتظهر قسوته من خلال استغلاله للحيوانات التي تعيش في المزرعة وإجبارها على العمل بجد ثمّ يسرق منتجات عملها، كما أنّه لا يقدر حياة تلك الحيوانات، ومن هنا فإنّ هذه الحيوانات تبدأ بالاحتجاج، ويخرج الخنزير بالقول إنّ عليهم أن يتخلصوا من تحكم البشر بهم، فتستعد حيوانات المزرعة للثورة ضد السيد جونز، ووتأخذ الخنازير بزمام الذلك باعتبار أنّ الخنازير هي أذكى الحيوانات في المزرعة، ويبدأ التمرّد مبكرًا حين ينسى السيد جونز أن يطعم الحيوانات. تفلح الحيوانات بعد ذلك في الاستيلاء على المزرعة وطرد السيد جونز ورجاله منها، ثمّ تضع هذه الخنازير مبادئ عامة لتسير عليها الحيوانات، ومن ذلك أنّ كل ما يمشي على ساقين يعتبر عدوًّا، أما الصديق هو كل من يمشي على أربع أو يملك أجنحة، كما يمنع على الحيوانات ارتداء الملابس أو النوم على السرير، أو شرب الكحول، أو قتل الحيوانات الأخرى، كما أنّ جميع الحيوانات متساوية، وقد بدأت الحيوانات بالتمثل للأوامر والعمل بجد وكفاءة لاستكمال الحصاد وإثبات أنفسهم، وأصبحت الخنازير أسياد المزرعة والمشرفين على الأعمال فيها، كما أنّهم يبدؤون بالاستيلاء على حصص أكبر من حصص غيرهم من التفاح والحليب، وحين تحتج الحيوانات على ذلك فإنّهم يحذرونهم من عودة السيد جونز إلى المزرعة. بعد تمادي الخنازير في تعاملهم مع الحيوانات الأخرى، وظهور الصراع بين الخنازير أنفسهم، ومصادقة الخنازير للبشريين ومحاولة تقليهم والنوم على السرير ولبس الملابس، وتشببهم بالبشر، والتمييز الواضح بين الخنازير والحيوانات الأخرى، فإنّ الحيوانات تثور في وجههم مرة أخرى.
قصص الحيوان في القرآن الكريم للكاتب الكبير "أحمد بهجت"
قدّم لنا القرآن الكريم، في سياق قصص الأنبياء والأولياء، مجموعة من أفراد المملكة الحيوانية، كغراب ابني آدم، وناقة صالح، وطير إبراهيم، وذئب يوسف، وحوت يونس، وبقرة بني إسرائيل، وعصا موسى، وهدهد سليمان، ونملة سليمان، ودابة الأرض، وحمار عزيز، وكلب أهل الكهف، وطين عيسى، وفيل أبرهة، والطير الأبابيل، وعنكبوت الغار.
وعلى امتداد أربعة عشر قرنًا بقيت هذه المجموعة من قصص الحيوان غارقة في الظل.. حتى انحنى عليها الكاتب الإسلامى والفنان "أحمد بهجت" فجعل من هذه المجموعة أبطالا لكتابه.
يقدّم المؤلف في هذا الكتاب تجربة فريدة من نوعها حين يكتب قصص الحيوان الذي ورد ذكره في القرآن، من وجهة نظر الحيوان ذاته وبأسلوب المذكرات ملتزما بالبناء الأصلي للقصة الحديثة كما وردت في القرآن الكريم.. مستعينا بآخر ما وصل إليه العلم في تحديد سلوك الحيوان وطباعه.. مطلِقًا العنان لفنّه فيما بقي من مشاعر الحيوان وأحاسيسه ووجهة نظره.
هذا الكتاب يُعتبر بحق أول مُؤلَف عن عالم الحيوان كما جاء في القرآن الكريم وفي ظل النبوّات، بأسلوب محير في رقته، وفي سخريته، نجح المؤلف في المزج بين الدين والعلم، في كتاب ممتع يدعوك للتفكير والتأمل، وللضحك أحيانا، وللبكاء أحيانا أخرى، من خلال ست عشرة قصة تضمّ عصارة إيمان وفكر وإحساس أحمد بهجت.
ونحن نؤيد الاعتمادَ على الحيوان في أدب الأطفال والأعمال المُصوّرة المُوجّهة إليهم لأنها تكون قريبة إلى عقولهم ومحببة إلى نفوسهم ومشوقة لوجدانهم ومثيرة لخيالهم، وتقدّم لهم المعلومة وتسدي لهم النصيحة بطريقة غير مباشرة، لأن الإنسان عموما والطفل خصوصا يمل من النصائح المباشرة والأوامر الصارمة.
وما يزال الأدباء يستلهمون قصص الحيوان في "كليلة ودمنة" وقد وافتني تلميذتي النجيبة الأديبة "هاجر مصطفى جبر" اليوم بمقال نقدي لها تناولت فيه مجموعة قصصية بعنوان: كليلة وهدى للأديبة القطرية هدى النعيمي، صدر عن دار جامعة حمد بن خليفة للنشر عام 2025م، فالشكر للأديبة هدى النعيمي على استيحائها للتراث في قصصها، والشكر للناقدة "هاجر مصطفى جبر" على لفت الانتباه لهذه المجموعة الطريفة.
وعن علاقتنا بالحيوانات ذاتها، وأحبّها إلينا، ووجودها في البيت، لا سيما وأنَّ ثقافة تربية العصافير في الأقفاص، والأسماك في أحواض الماء، و"تبنّي" القطط باهظة الثمن.. من صميم ثقافة هذا العصر، فبحكم ثقافتنا ونشأتنا في الريف المصري فقد ألفنا القطط وهي من الطوافين علينا والطوافات، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم)، الذي لقب أحد أصحابة بأبي هريرة حيث وجده يدفئ هرّة صغيرة في كمّه شفقة عليها من البرد، وكانت تقوم بتنظيف البيت من القوارض الضارة كالفئران والعرس، كما ألفنا الكلاب لأننا نستخدمها في حراسة المنازل وحراسة الحيوانات التي ترعى في الحقول حيث تذود عنها الذئاب، كما تذود الثعالب وغيرها عن الدواجن التي تربى في البيوت.
أما الحمير والبقر والجاموس فقد كانت في ريفنا ولا تزال مما يعتد به الفلاح ويعتمد عليه في كثير من أمور الزراعة وإنْ قلّ ذلك الآن بسبب الميكنة الزراعية، كما أنَّ الحمار كان وسيلة انتقال بين القرى والمدن قبل انتشار السيارات، وأذكر أنه كان لي حمار صغير (جحش)، كنت أذهب به من قريتنا إلى المدينة في منتصف السبعينات من القرن العشرين حيث المدرسة الثانوية، ولست وحدي بل كثير من الزملاء، لبعد المسافة (حوالي خمسة كيلو مترات)، وعدم وجود سيارات، فلما مات هذا الجحش جلست أبكي إلى جانبه وكأنه إنسان عزيز لشدة ارتباطي به وانتفاعي منه، وعزّتني فيه الأسرة وواساني الأصدقاء.
أما البقر والجاموس فكان يُعتمد عليها في كثير من شؤون الزراعة كسقي الأرض حيث تجرّ الساقية، وحرثها وتجهيزها للزراعة ودرس القمح الذي كان يستغرق وقتا طويلا عن طريق النورج، وأذكر من طفولتي أنَّ جدي عبد القادر (يرحمه الله) كان يحملني على كتفه ويُركبني معه على الزحافة التي تسوي الأرض، كما كان يركبني إلى جواره على النورج أثناء درس القمح لتكسير القش وفصل الحبوب، وذات مرة كان يركب النورج وطلبت منه أن أركب وأثناء مساعدته لي لأصعد إلى النورج تحركت الجاموسة فكدت أقع أمام النورج فالتقطني جدّي ولكن ساقي حدث فيها جرح لا يزال أثره موجودا حتى اليوم يذكرني بهذه الأيام الخوالي وذكريات الشقاء المحبب الذي كان يعانيه الفلاحون، بالإضافة إلى الانتفاع بألبانها والتغذي عليها، والقيام بتصنيع الجبن في المنازل، وكذلك القشدة والسمن البلدي، وكلها أطعمة صحيّة بدلا من الزيوت المهدرجة التي تسبب السرطانات، وأكل لحومها والاعتماد عليها بوصفها مصدرا للبروتين الحيواني.
وأما الضأن والمعز فكنا نربّيها وننتفع بأصواف الضأن وقد نشرب ألبان الماعز، كما كنا ننتفع بأصواف الضأن وأشعار الماعز في صناعة الملابس الشتوية التي نتدفأ بها حين يقوم الرجال بغزلها ونسجها بأيديهم قبل تفشي الملابس الجاهزة المحلية أو المستوردة، وكذلك كانت تصنع منها الأغطية التي نستدفئ بها أثناء النوم، كما يعتمد على لحومها الشهية في الغذاء وتذبح للتضحية بها في عيد الأضحى، بالإضافة للبقر والجاموس، وهي مصدر ثروة للفلاحين.
وأما الدواجن كالبط والأوز والدجاج والأرانب، فكانت عنصرا أساسيا من عناصر الحياة الريفية والمدنيّة على السواء حيث كان الريفيون يعتمدون عليها في الغذاء والبيض ويقومون بتصدير الفائض منها إلى سكان المدن، للحصول على النقود التي كانت شحيحة في القرى.
وقد قامت في العالم الغربي الجمعيات الكبيرة لحماية حقوق الحيوان، بل هناك مَن ورّث حيوانه المُحبّب، قطا كان أو كلبا أو غيرهما ثروته التي تقدر بالملايين، وما أكثر النوادر والطرائف حول الحيوانات في حياة الناس، وليت الغرب يرعى حقوق الإنسان في بلادنا كما يرعى حقوق الحيوان في الغرب، فما نشاهده صباح مساء على مدى عامين في غزّة من حرب إبادة يقوم بها الصهاينة للفلسطينيين على مرأى ومسمع من العالم وبمباركة من الدول الكبرى في الغرب كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا شيء محزن تتقطّع له نياط القلوب وتتفطّر منه الأكباد، ويندى له جبين العالم الحر.